أحمد سالم

أحمد سالم

لأجل محمد صلى الله عليه وسلم خلق عالمنا، وكلفنا الله بعد وجودنا بعبادته سبحانه، ومهد لميلاد وبعث ورسالة نبينا؛ بكل النبوات قبله.

هذا القول والصياغة لي، يصفه البعض بأنه غلو، ولكن له وجهًا صحيحًا، يزيد من معرفتك ومحبتك لسيد الخلق:

يقول شيخ الإسلام:

وقد ظهر فضلُ نبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم على الملائكة ليلةَ المعراج لَمَّا صار بمستوى يسمع فيه صريف الأقلام، وعلا على مقامات الملائكة. ومحمد سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه؛ ومن هنا قال مَن قال: إن الله خلق من أجله العالَم أو: إنه لولا هو لَمَا خَلق الله عرشًا ولا كرسيًّا ولا سماءً ولا أرضًا ولا شمسًا ولا قمرًا.

ويمكن أن يفسر بوجه صحيح، فإذا كان الإنسانُ هو خاتمَ المخلوقات وآخرَها، وهو الجامع لِمَا فيها، وفاضلُه هو فاضل المخلوقات مطلقًا، ومحمدٌ إنسانُ هذا العين، وقُطبُ هذه الرَّحَى، وأقسام هذا الجمع كان كأنها غاية الغايات في المخلوقات، فما يُنكَر أن يُقال: إنه لأجله خُلِقَتْ جَميعُها، وإنه لولاه لَمَا خُلِقَتْ، فإذا فُسِّر هذا الكلامُ ونحوُه بما يدل عليه الكتابُ والسنةُ قُبِلَ ذلك.

مشاركة

مقتطفات أخرى

والغلبة الدنيوية حين تفوت أهل المقامات العالية من المؤمنين = فهذا من القرح الذي يُبتلى به الناس على قدر دينهم، فمن عظم دينه اشتد بلاءه لكنهم رغم هزيمتهم= هم الأعلون المنصورون حقا وإن لم يغلبوا تلك الغلبة؛ فإن الله مظهر دينه ولابد، معذب أعداءهم ولابد.

ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين.


والحقيقة: أن فوات الغلبة الدنيوية وعدم تحصيل أهل المقامات العالية من المؤمنين لها= كثير جدا في تاريخ الإسلام، وليس نادراً أو قليلاً، بل أكثر الغلبة الدنيوية في تاريخ الإسلام لم تكن للأكمل إيماناً ولا للأجيال الأحسن والأفضل.

فالمحكم هاهنا: أن عوامل الغلبة الدنيوية كثيرة متعددة، وتتداخل فيها موازنات شتى، وحكم لله متعددة؛ فإنه سبحانه لو جعل النصر بالسيف للمؤمنين كثيرًا غالبًا= لما كانت الدنيا دار امتحان، وبالتالي: فما يطلقه الناس من معادلات رياضية هنا فإن فعل الله لا يجري على أهوائهم فيها؛ فإن الله لا يعجل لعجلة أحد، وحكمته البالغة تجمع بين الحال والمآل وبين موضع الامتحان في الدنيا وموضع الجزاء الأعظم في الآخرة، ولكن الناس إذا هُزموا فتنوا أنفسهم؛ لأنهم يعبدون السيف ويسبحون بحمد الغالب.

ومن دقائق فقه الوحي: أن النصر مستمر لا ينقطع عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلابد من طائفة منصورة لا تزال من أمته قائمة على الحق، وقيامها على الحق وإظهار الدين هو ذلك النصر الذي لا يتخلف أبدا وليس النصر الذي لا يتخلف هو الغلبة الدنيوية والتمكين فإن هذا يقع ويزول.

وإن الغلبة المعجلة لفئة معينة في الدنيا تحصل للمؤمن وللكافر وتحصل للأكمل إيمانا والأنقص إيماناً وهي ضرب من النصر شديد القابلية للمتغيرات عصي على المعادلات الرياضية، أما النصر حقاً وصدقا لا يتخلف عن القوم المؤمنين قط فهو ما يكتبه الله للمؤمنين من الفوز في الآخرة والهداية للحق والإيمان في الدنيا والعاقبة لهم على الكافرين ولو بعد حين وقرون وسنين.

ومن أبصر هذه الحقائق التي هنا= نجاه الله من فتنة الذين قالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً.

اقرأ المزيد

زينة المرأة المباحة:

إن الشريعة في القول الذي نختاره لا تمنع ظهور زينة المرأة ولا تمنع أن تكون لها زينة تلفت بدرجة ما، وإنما تأذن في ظهور زينة معينة ودرجة معينة من اللفت، وتمنع مما فوقها؛ لأن طريقة الشريعة فيما تتشوف له النفوس أنها تنظمه وترشده ولا تعدمه، والمرأة بطبيعتها تحب الحلية والزينة، وتخاطب بذلك الناظر بقواعد وأحكام النظر والمختار فيها هو ما ذكره أبو المظفر السمعاني بقوله : ((يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة، وإن خاف الشهوة غضّ البصر، واعلم أن الزينة زينتان: زينة ظاهرة، زينة باطنة؛ فالزينة الظاهرة هي الكحل والفتخة والخضاب إذا كان في الكف، وأما الخضاب في القدم فهو الزينة الباطنية، وأما السوار في اليد، فعن عائشة أنه من الزينة الظاهرة، والأصح أنه من الزينة الباطنة، وهو قول أكثر أهل العلم، وأما الدملج والمخنقة والقلادة، وما أشبه ذلك= فهو من الزينة الباطنة، فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للأجنبي النظر إليه من غير شهوة، وما كان من الزينة الباطنة لا يجوز للأجنبي النظر إليها، وأما الزوج ينظر ويتلذذ، وأما المحارم ينظرون من غير تلذذ)).

وفي تفسير ابن المنذر عن أنس بن مالك قال: «‍الكحل والخاتم». قال ابن حزم: «هذا عنه في غاية الصحة».

وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عطاء قال: «الزينة الظاهرة: الخضاب و‍الكحل».

وروى ابن معين في فوائده بإسناد صحيح عن عكرمة قال: «ثيابها وكحلها وخضابها».

وروى الطبري في تفسيره بسند صحيح عن مجاهد: «‍الكحل والخضاب والخاتم».

وعنده أيضا بإسناد صحيح عن قتادة قال: «‍الكحل والسواران والخاتم».

وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: «‍الكحل والخضاب والخاتم. هكذا كانوا يقولون. وهذا يراه الناس» وإسناده صحيح.

وتأمل قوله: هكذا كانوا يقولون ومقصده بها السلف مش مجرد قول قديم كده منسوخ محدش يعرفه، وتأمل قوله: وهذا يراه الناس.

وعليه فإن الزينة المباحة للمرأة والمأذون في إظهارها أمام الأجانب، طالما المرأة ليست في عدة وفاة:

(1) اللباس وهذا باتفاق الفقهاء ولا يمنع من ألوان معينة فيه، بل كل الألوان فيه مباحة إلا ما كان ملفتا لفتا زائدا عن المعتاد فيُكره ويرجع في تقديره للعرف.

(2) الوجه والكفان عند جماهير الفقهاء.

قال القاضي عياض: ((في هذا كله عند العلماء حجة أنه ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها، وإنما ذلك استحباب وسنة لها، وعلى الرجل غض بصره عنها. وغض البصر يجب على كل حال في أمور: كالعورات وأشباهها. ويجب مرة على حال دون حال مما ليس بعورة؛ فيجب غض البصر إلا لغرض صحيح من شهادة أو تقليب جارية للشراء، أو النظر لامرأة للزواج، أو نظر الطبيب، ونحو هذا... ولا خلاف أن فرض ستر عورة الوجه مما اختص به أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ نزل الحجاب)).
.

(3) ويزاد عليهما جواز ظهور القدمين فيما أختاره وهو مذهب الأحناف.

يقول الإمام الكاساني الحنفي: ((والمراد من الزينة مواضعها، ومواضع الزينة الظاهرة الوجه ‍والكفان، فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف، بكشف الوجه والكفين، فيحل لها الكشف. وهذا قول أبي حنيفة - رضي الله عنه -. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنَّه يحل النظر إلى القدمين أيضًا. وجه هذه الرواية ما روي عن سيدتنا عائشة - رضي الله تعالى عنها - في قوله - تبارك وتعالى -: {إلا ما ظهر منها} [النور: 31] القلب والفتخة. وهي خاتم إصبع الرجل فدل على جواز النظر إلى القدمين. ولأنَّ الله - تعالى - نهى عن إبداء الزينة واستثنى ما ظهر منها، والقدمان ظاهرتان ألا ترى أنَّهما يظهران عند المـشي؟ فكانا من جملة المستثنى من الحظر، فيباح إبداؤهما)).

(4) ‍الكحل 

قال الطبري في تفسير الزينة الظاهرة المباح كشفها أمام غير المحارم: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : عني بذلك : الوجه والكفان يدخل في ذلك إذا كان كذلك : ‍الكحل والخاتم والسوار والخضاب.

(5) ونزع شعر الوجه، والأخذ من الحاجب بما يزيل قبحه بلا إسراف في الأخذ.

قال الإمام النفراوي في شرح الرسالة: ((والتنميص هو نتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقا حسنا، ولكن روي عن عائشة - رضي الله عنها - جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه وهو الموافق لما مر من أن المعتمد جواز حلق جميع شعر المرأة ما عدا شعر رأسها، وعليه فيحمل ما في الحديث على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها كالمتوفى عنها والمفقود زوجها.

(6) الأسورة، من زينة اليد بشرط عدم تعمد ظهور الصوت عند تحريك اليد.

(7) خضاب اليد وتلوينها، ويدخل فيه النقش كالتاتو بالرسم والتلوين وليس الوشم، والتطريف كالمانيكير لكن بعض العلماء كره النقش والتطريف؛ لأنه قد يلفت النظر بصورة زائدة، والمختار عدم الكراهة،.

قال ابن جزي: ((ويجوز لها أن تخضب يديها ورجليها بالحناء وأجاز مالك ‍التطريف وهو صبغ أطراف الأصابع والأظافر)).

وورد في بعض الاحاديث ذم رسول الله لامرأة لخلو يدها من الخضاب وقال: كأنها يد رجل، لكن أسنادها ضعيف، وإن كان تداول كتب الحديث لها فيه إشارة لطيفة لتداول معناها مجتمعيا..

(8) من يحرم كشف الوجه والكفين سيمنع بالتالي من ظهور أية زينة مرتبطة بالوجه والكفين، لكن القول الذي نختاره هو جواز كشفهما وظهور زينتهما.

وما تقدم هو على المختار من أقوال الفقهاء، ولا يُطلب من المخالف غير الاحترام والاعتراف..

تنبيه: ذكر العلماء لهذه المباحات من زينة الوجه يدل على حرمة الزيادة عليها فقد كانوا يعرفون أصباغ الوجه ولو كانت من الزينة المباح إظهارها= لذكروها كما ذكروا ‍الكحل، وقد أشار لجوازها بعض المتأخرين كالرازي والزمخشري بما لا يوجد له أصل في كلام الصحابة والتابعين وأتباعهم وأئمة المذاهب ولذلك لا نتبعها بالتشهي كمن يفرح بنقولات متأخري العلماء لضعف تحقيقه وسيادة هواه.

والحمد لله وحده.

اقرأ المزيد