أحمد سالم
استغرق صديق لي ثلاث سنوات من العلاج الدوائي مصحوبًا بالعلاج السلوكي المعرفي بمعدل عمل وواجبات تصل لعشر ساعات أسبوعيا= للتخلص من مرض نفسي شديد كان يدمر حياته.
الحفاظ على الحياة الإيمانية للقلب يحتاج إلى روتين يومي لا يقل مجموع ساعاته الأسبوعية عن خمس عشرة ساعة.
إتقان المراحل الأساسية للتمكن في أي علم يحتاج لعمل جاد لا يقل عن عشرين ساعة أسبوعيا لعام أو أكثر.
جودة العلاقة الزوجية، وجودة العلاقة مع الأبناء يحتاج لتواصل حقيقي ومنتظم لا يقل عن سبع ساعات أسبوعيًا.
أي عمل يكفل لك حياة معقولة لن يقل عن خمسين ساعة أسبوعيًا.
لا يتحقق أي هدف بمجرد الأماني، ولا توجد حبة دواء كفيلة بإصلاح ما عطب من شأنك.
لا أعرف كتابًا تقرأه فيُكسبك سلوكًا ما أو يداويك من آفة ما، المعرفة وسيلة وليست شفاء.
العمل الجاد، الروتين المنتظم، العادات الواعية، الخطوات القليلة الثابتة نحو هدف واضح.
تعلم كيفية السقوط بنفس أهمية تعلم كيفية القيام من هذا السقوط.
تحويل كل معرفة إلى سلوك روتيني وعادات منتظمة.
في ديننا: مئات التفاصيل في سنن وآداب عمل اليوم والليلة، من ذكر النوم لذكر القيام لآداب المشي إلى الصلاة لآداب المكث في المسجد لأدب اللقاء وأدب الفراق، كل ذلك ببساطة: نموذج للروتين اليومي الذي تتغلغل به المعرفة في حياتك لتكون حية وتحيا بها.
المعرفة وحدها لا تغير، وإنما العلم بالعمل ذاك مجرد شعار، المفتاح كله في فن صناعة الروتين الذي يحييك والعادات التي تحيا بها.
خطابات كثيرة غايتها أن تقول لك: اعمل الصح (بصوت غسان مطر)، لكنها لا تجييك عن سؤال: أيوه يعني أعمل إيه (بصوت حزلقوم).
مقتطفات أخرى
في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: ((إن أُحُدا جبل يحبنا ونحبه)).
من صور التواصل والمحبة الخفية، أن تحسن رعاية الجمادات التي تتعامل معها عمومًا والتي هي جزء اعتيادي من حياتك خصوصًا؛ فإن من الغيب الذي ينبغي أن تؤمن به (في المسألة خلاف والكلام مبني على ما أختاره) أن هذه الجمادات خلق الله فيها نوعًا من الإدراك، وهي مدركة لك ولما تعاملها به، وهي تقبل منك أن تستعملها في الوظيفة التي سخر الله تلك الجمادات لأدائها مهما كانت هذه الوظيفة، لكن يمكنك مع ذلك كلها أن تكون جميلًا لطيفًا، تحسن في ذلك ما استطعت، ونعم هناك نوع من تلك الجمادات يعينك في حياتك وتتماس معه كثيرًا، فيمكنك أن تحبه، وأن تتوقع مع ذلك أنه يحبك.
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: ((الصحيح المختار أن معناه أن أحدا يحبنا حقيقة، جعل الله فيه تمييزا يحب به، كما قال: سبحانه وتعالى: { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ }(البقرة: من الآية74) .
لا تستطيع أية علاقة إنسانية أن تكون طعامًا يغني عن غيره من الأطعمة، ولا تقدر علاقة منها على القيام بدور علاقة أخرى، ولا على إشباع الاحتياج الذي خلق الله هذه العلاقة لإشباعه.
يعطيك الأب ما لا يعطيه الزوج، ويعطيك الزوج ما لا يعطيه الأب، الأم تعطي ما لا تغني عنه الزوجة، والزوجة تعطي ما لا تشبعه الأم، والولد يعطي أبويه ما لا يعطيانه لبعضهما، والصديق يعطي صديقه ما لا يعطيه الأخ، والأخ يعطي ما لا يعطيه الأب، والمعلم يعطيك ما لا يعطيه الأب والجار يعطيك ما لا يعطيه الصديق.
كالعناصر الغذائية تحتاج النفس إلى هذا التنوع العلاقاتي وتكتمل به وبتوازنه كمًا وكيفًا، وتتناوب هذه العلاقات وتتفاوت نسب الاحتياج منها باختلاف أحوال الإنسان طفولة وشبابًا واكتهالًا وشيخوخة وصحة ومرضًا، قد تتقاطع هذه العلاقات وتختلط أدوارها بدرجة مقبولة، وقد يصل التقاطع واختلاط الأدوار لدرجة مرضية تنبع من نقص النفس ونهمتها للناس كمريض الاستسقاء ينهل ولا يرتوي؛ والداء فيه لا في علاقة ترويه.
وكلما نضجت النفس واقتربت من السواء= استطاعت أن تأخذ زادها من تلك العلاقات بالقدر المضبوط كمًا وكيفًا، فهي نفس راسخة الجذر تنعم بالهواء والضوء وتأخذ من القطر ما يرويها ولا يغرقها ويفسد تربتها.
وهي نفس لا تفقد أبدًا وجهتها نحو السماء، ومهما ضعفت وانحرفت= تقدر أن تسترجع قلبها إن هوت به علاقة من تلك العلاقات في ذلك القعر الذي يمكن أن يقطع الحبل الذي يصلها بالزاد الأكمل والأتم والأغنى والأنفع، ذلك الزاد الذي يصل قلبها بالرب الذي خلقها.
وكل احتياج فاتك أن تشبعه لفقد أو فوات في العلاقة التي دورها أن تشبعه= لا تطلب إشباعه من علاقة غيرها لها دورها المختلف؛ فذلك يحرمك الثانية ولا يعوضك الأولى، تقبل أنك فقدت الأولى، واستمتع بالثانية في محلها وبالتقاطع المحدود بين دورها ودور المفقودة، وابك على ألم الفقد بقدر ما يشفي النفس ثم قف وواصل؛ فإن قوام الحياة النقص والفوات والألم، وليس كل ما يؤلمك يضرك، ولا كل ما يسرك ينفعك.