أحمد سالم
وقد يكون الإنسان وقد ضاقت نفسه، وغلبه حزنه، وأغرقته كآبته= فيريد أن يخرج من ضنك الحال بمعصية تخدر مزاجه، سواء كان ذلك بعين المخدرات، أو بما هو من جنسها من لهو يقود إلى النار، وكم رأيت من رجال أشداء نفوسهم، كالجبال الرواسي قلوبهم= لم يجد الشيطان مسلكه لهم إلا في طغيان موجة الحزن هذه، في تلك اللحظة الخاطفة التي يحصل فيها انخفاض طاقة درع النفس؛ لضعف خطوط إمداد الروح بالفرح والتقدير وعزيمة الأفعال الكبيرة.
أخي: هذا صاحبك يكلمك قد أضره ما أضرك، وقد أتيتٌ إليك وقد عركتني التجربة فشاهدتُ حتى عجبتُ: كم من سفينة أغرقها خرق أصحابها لألواحها، لم تحطمها ريح، أو يكسرها موج.
معركة إنسانيتك لا يهزمك فيها حزنك، قلعة إيمانك لا ينقبها البلاء، وإنما الذي يهدم حصونك وأنت غافل= هو تلك الاستجابات الغلط لمحنة العيش ورهق التجارب.
مقتطفات أخرى
عندما تُسقطك المِحن لا تقم من سقطتك فارغ اليد، بل قم ومعك معنى يُصقلك ويجعلك نسخة أحسن من نفسك، فالإنسان هو مجموع تجاربه والمعاني التي ولدها من هذه التجارب.
وحيث كان عمل القلب مصححًا للعمل الظاهر، وعمل القلب غيب عنا= فلا (يُقطع) لذي عمل صالح بالخير؛ فلعل الله تعالى يعلم من قلبه وصفًا مذمومًا لا يصح معه ذلك العمل.
ولا لذي معصية بالشر، فلعله سبحانه يعلم من قلبه وصفًا محمودًا يغفر له بسببه.
والأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية.
ويترتب على ذلك: (عدم الغلو) في تعظيم من رأينا عليه أفعالًا صالحة، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالًا سيئة، بل تُحتقر تلك (الحال السيئة)، لا تلك (الذات المسيئة)، فتدبر هذا فإنه نظر دقيق.
المفهم شرح مسلم للقرطبي، عن دليل الفالحين لابن علان.